مشهد فظيع .. مشهد غريب .. مشهد عظيم .. من عظمته , أبى الله إلا أن يخلّده في كتابه الخالد ليكون للناس آية . مشهد يصف نهاية جبار من جبابرة الأرض , وطاغوت من طواغيتها , إنه فرعون ,كانت نهايته مخزية .. وخيمة .. كيف لا وهو كبير المفسدين وإمام المجرمين,قد قال المدعو فرعون كلمة غريبة , كلمة محيّرة, قالها فبل أن يلفظ أنفاسه بلحظات , وصف الله ذلك المشهد في كتابه فقال : " وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا حتى إذا أدركه الغرق قال أمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين" وفي هذه الآية لفتة عجيبة تبين ما وصل إليه هذا الأحمق من كبر واستعلاء
حتى وهو يرى الموت نصب عينيه . فلم يكلف نفسه لينطق بالشهادة على وجهها الصحيح ويقول : لا إله إلا الله , بل قال بكل غرور آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل
ليس هذا الغريب في الموضوع , إنما الغريب هو حال جبريل عندما سمع فرعون وهو يعلن إسلامه .. فعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لما أغرق الله فرعون قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل قال جبريل يا محمد فلو رأيتني وأنا آخذ من حال البحر ( الطين الأسود ) فأدسه في فيه مخافة أن تدركه الرحمة "
وهل كان يعتقد جبريل أن رحمة الله تعالى قد تشمل توبة امرئ مثل فرعون ؟ وهل يعقل أن الله يتقبل توبة أشد الناس كفراً وإلحاداً ؟
الجواب هو نعم بالتأكيد , لأن جبريل عليه السلام وهو أعلم الخلق بالله عزوجل يعلم تماماً مدى سعة رحمة الله تعالى , ولذلك لم يكن يستبعد أن يتوب الله على فرعون بعد أن قال وأنا من المسلمين , فلذلك حاول جبريل أن يدس الطين في فم فرعون حتى يثنيه عن النطق بالتوبة فيرحمه الله
الشاهد من الموقف أن الله عز وجل لا يعجزه أن يتوب على العبد ولو فجر وكفر واستكبر , بل لم يكن الله ليعجزه أن يتوب حتى على فرعون الذي قضى حياة حافلة بالكفر و استعباد الناس وادعاء الألوهية . ولو آمن فرعون إيماناً صحيحاً لغفر الله له لكنه لم يؤمن إيماناً سليماً , والله لم يكن ليقبل هذا النوع من الإيمان الذي لا ينفع صاحبه حين البأس , "(فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين * فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون) إنها سنة الله في عباده أن لا يقبل توبة عبد بلغت روحه الحلقوم , لذلك رد الله توبة فرعون التي جاءت متأخرة جداً فكان رده سبحانه على فرعون بصيغة الإستنكار : ( آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ؟)
خلاصة الموضوع أن الله فتح لعباده باب التوبة على مصراعيه , ولا يزال الباب مفتوحاً حتى تطلع الشمس من مغربها أو تبلغ روح العبد الحلقوم. ولا يزال التواب يستقبل العائدين إليه وهو يقول :
:" وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى" .
فيا من بدنياه انشغل .. وغره طول الأمل .. الموت يأتي بغتة .. والقبر صندوق العمل .. يا من لسان حاله :
إني ملأت الأرض من جرمي وما كسبت يدي وغوايتي
وظلـمت نفسي كأنه ما في الورى عبد جــنا كجـــــنايتي
يا من ظلم نفسه وأسرف عليها وغره إبليس وجنوده .... تب إلى القائل "قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً " تب قبل أن لا تستطيع أن تتوب , تب قبل أن يصدق فيك قول المولى : " وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن , ولا الذين يموتون وهم كفار , اولئك أعتدنا لهم عذاباً أليماً " ..
قل للذين أسرفــوا ذنوبــهم واقـــترفــوا
أبشر أتاك قولـــنا ( وآخـرون اعترفوا)
لاحظوا اخوتي فالعبرة التي اردتها من كل الموضوع هي رحمة رب العالمين
فرب العالمين لديه عدل مابعده عدل وجبريل عليه السلام يعرف ذلك لذلك دس الطين في فم فرعون
حتى لا ياتي يوم القيامة ويحاجج رب العالمين بشهادته اخر لحظ
ه
شوفوا عدالة رب العالمين وشوفوا تقصيرنا جميعاً
اللهم تب علينا انك انت التواب الرحيم
اللهم انك كريم تحب العفو فاعفو عنا يا الله